عنوان المقال: تاريخ الأندلس بمركزية مورية
عبد الخالق كلاب
يسود الاعتقاد أن العرب هم الذين فتحوا الأندلس، وأن غالبية سكان الأندلس كانوا عرباً، وهذا من تخاريف دعاة العروبة، هذا الادعاء غير مبني على أساس، ولا دليل تاريخي يسنده، فالروايات التاريخية تؤكد أن الأمازيغ هم الذين بادروا إلى فتح الأندلس، وتعميرها، وإعمارها، وحمايتها من حملات المسيحيين المسترسلة.
يرجع فضل فتح الأندلس إلى يوليان الغماري وطارق بن زياد الزناتي، ولا حَظَّ لموسى بن نصير في هذا الفتح، وقد اختلف المؤرخون في نسب طارق بن زياد فاتح الأندلس اختلافاً كبيراً، فمنهم من أرجع نسبه إلى أصل عربي، ومنهم من نسبه إلى الأمازيغ، غير أن قراءة الروايات التاريخية قراءة متأنية، ووضعها في سياقها يكشف أن فاتح الأندلس كان أمازيغياً مورياً؛ فابن خلكان (ت681هـ) ذكر أنه أمازيغي بقوله: "واستعمل [موسى بن نصير] على طنجة وأعمالها مولاه طارق بن زياد البربري" ، وابن عذاري ذكر أنه نفزي بقوله: "ونسب طارق: هو طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورفجوم بن نبراغن بن واماض بن يطوفت بن نفزاو فهو نفزي، ذكر أنه من سبي البربر، وكان مولى موسى بن نصير" .
ويعتقد البعض أن طارقا بن زياد عربي، بناء على رواية ابن خلدون التي نسبته إلى قبيلة ليث، قال ابن خلدون: "وولى عليها [طنجة] طارق بن زياد الليثي" ، ويزعم البعض أن بني الليث قبيلة عربية كانت تقطن بلاد المور، في حين أنها قبيلة أمازيغية زناتية، ودليلنا في ذلك ما أورده صاحب كتاب مفاخر البربر أثناء حديثه عن بيوتات البربر في الأندلس، إذ قال: "كان منهم [زناتة] بالأندلس بنو الخروبي وبنو الليث وبنو يفرن وبنو برزال وبنو دمر، وبنو خزر منهم محمد بن الخير بن خزر المغراوي أمير بن أمير إلى خزر، وكان محمد رئيس زناتة كلهم بالأندلس في الفتنة البربرية في حدود الأربعمائة من الهجرة" ، وبذلك يكون طارق بن زياد حسب رواية ابن خلدون ليثياَ من قبيلة زناتة المورية.
ومن القرائن التي تؤكد نسب طارق الأمازيغي، ما أورده صاحب مفاخر البربر أثناء حديثه عن الفقهاء والأعلام من البربر، حيث ذكر أن ابن أخت طارق كان صنهاجياً، بقوله: "ومنهم [صنهاجة] في صدر الإسلام أبو عمرو ميمون بن أبي جميل الصنهاجي بن أخت طارق الذي فتح الأندلس، وذكره الرازي في أعلام القبائل" ، وبذلك، فطارق موري زناتي، وزوج أخته صنهاجي من بني جميل، وهذا يسمح لنا بتحديد موطن طارق الذي يرجح أنه ابن الريف الحالي الذي يجمع زناتة وصنهاجة.
أما بخصوص عدد جيش طارق بن زياد وتركيبتهم، فهناك شبه اتفاق بين الإخباريين أن عدد الجيش بلغ 12000، لكنهم اختلفوا في تركيبته، فهناك من ادعى أنهم كانوا عرباً، غير أن قراءة متأنية للروايات، تبرز أن المور هم الذين بادروا إلى فتح الأندلس، في الوقت الذي جهد فيه موسى بن نصير وابنه وعادا إلى أفريقية، حسب شهادة ابن عبد الحكم الذي قال: "ووجه موسى بن نصير ابنه مروان إلى طنجة مرابطاً على ساحلها، فجهد هو وأصحابه، فانصرف، وخلف على جيشه طارق بن عمرو" ، وبالقيام بجرد بسيط للروايات التي تحدثت عن هذا الموضوع نجد الآتي:
تجدون الجدول في المقال المرفق في أسفل التدوينة👇
يلاحظ أن معظم الروايات تتفق على أن جيش طارق بن زياد كان عدده 12000 أمازيغي في عدد قليل من العرب، وهذا تقدير منطقي وواقعي بالنظر إلى المعطيات الآتية:
- قرب المغرب الجغرافي من الأندلس، إذ يفصلهما مضيق لا يتجاوز طوله 14 كلمتراً، ناهيك عن انفتاح بلاد المغرب على الأندلس مما سمح بالعبور إليها قبل زمن فتحها، إذ كانت سفن يوليان الغماري تعبر باستمرار إلى الأندلس، وهي تلك السفن التي وضعها يوليان تحت تصرف طارق بن زياد، وفي هذا قال ابن القوطية: "كان دخول طارق الأندلس في رمضان سنة اثنتين وتسعين، وكان سبب دخوله الأندلس أن تاجراً من تجار العجم يسمى يليان كان يختلف من الأندلس إلى بلاد البربر (…) يجلب إلى لذريق عتاق الخيل والبزاة من ذلك الجانب (…) وقصد [يليان] طارق بن زياد، فرغبه في الأندلس، وذكر له شرفها، وضعف أهلها وأنهم ليسوا أهل شجاعة" .
- عدم معرفة الأمويين بالمجال: لم يكن الأمويون يفكرون في غزو الأندلس، واكتفوا بشمال المغرب، فالأندلس بالنسبة لهم كانت مجالاً مجهولاً، وربما اعتقدوا أنهم سيتعرضون انطلاقاً منه لغزو رومي، لذلك نجد موسى بن نصير قد وجه ابنه مروان للرباط بطنجة، وما لبث مروان أن انصرف عنها ولحق بوالده، وهذا ما تفصح عنه رواية ابن عبد الحكم بقوله: "ووجه موسى بن نصير ابنه مروان إلى طنجة مرابطاً على ساحلها، فجهد هو وأصحابه، فانصرف، وخلف على جيشه طارق بن عمر" .
وبذلك، ففتح الأندلس تم بتدبير من طارق بن زياد ويوليان، في غياب موسى بن نصير، الذي كان آنذاك مستقراً بأفريقية، بعد جولته في المغرب التي جمع فيها السبايا والغنائم، وأرسلها إلى ولي نعمته بالمشرق، وقد كان دور يوليان الغماري حاسماً في هذا الفتح، لأنه كان على اتصال بالأندلس عارفاً بأحوالها، مطلعاً على الأزمة السياسية التي أعقبت وفاة غيطشه ملك القوط، ووثوب لوذريق، وانتزائه بالحكم، واقصائه لأبناء الملك الهالك، فاطلع يوليان على الثغرة، واستغل الفرصة، ودعا طارق إلى انتهازها قائلاً له: "إني مدخلك الأندلس" ، وقد ساعده في ذلك بحشده وسفنه وخبرته بأوضاع الأندلس، قال المقري أن طارقا بن زياد عبر الأندلس "في سبعة آلاف من المسلمين جلهم من البربر في أربع سفن، فحط بجبل طارق المنسوب إليه يوم السبت في شعبان سنة اثنتين وتسعين (…) ومعهم يليان صاحب سبتة في حشده، يدلهم على العورات، ويتجسس لهم الأخبار" .
وعليه، ففضل فتح الأندلس يرجع إلى يوليان الغماري وطارق بن زياد، وقد يقول قائل: لماذا لم يفتح طارق الأندلس قبل مجيء الأمويين، هنا أقول أن الحقيقة التاريخية المستقاة من المصادر كما أسلفناه، تؤكد أن فتح الأندلس تم من طرف طارق ويوليان بـ 12000 موري، وعدد قليل من العرب، مما يجعل هذا السؤال غير ذي معنى، إضافة إلى ذلك، فالفتح تم في غياب موسى بن نصير الذي انسحب إلى أفريقية، وتبعه ابنه مروان بعد أن جهد، إضافة إلى ذلك، فموسى عاتب طارق على عدم استشارته في الفتح، مما يؤكد أن فتح الأندلس تم بعيداً عن أنظار الأمويين، والحقيقة أن هذا الفتح جاء نتيجة الأزمة السياسية التي أعقبت وفاة ملك القوط، وأدخلت الأندلس في حرب أهلية استغلها يوليان الغماري وطارق الزناتي.
بعد فتح طارق بن زياد للأندلس نما الخبر إلى موسى بن نصير وهو بأفريقية، فغاضه الأمر، وساءه انفراد طارق بشرف الفتح، فخرج من أفريقية إلى الأندلس مغيظا على طارق، قال ابن عبد الحكم: "ثم خرج موسى بن نصير إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين بوجوه العرب والموالي وعرفاء البربر، حتى دخل الأندلس، وخرج مغيظاً على طارق، وخرج معه بن أبي عبيدة الفهري، واستخلف على القيروان ابنه عبد الله بن موسى، وكان أسن ولده، فأجاز من الخضراء، ثم مضى إلى قرطبة، فتلقاه طارق، فترضاه، وقال له: إنما أنا مولاك وهذا الفتح لك، فجمع موسى الأموال ما لا يقدر على صفته، ودفع طارق كل ما كان غنم إليه" .
إن رواية ابن عبد الحكم كشفت حقيقة لم ينتبه إليها أحد، هي أن فتح الأندلس كان يحتاج إلى عرفاء وهؤلاء العرفاء كانوا أمازيغاً، فبدون عرفاء الأمازيغ الذين لهم دراية بالأندلس لم يكن الفتح ممكناً، إضافة إلى ذلك فتركيبة جيش موسى بن نصير ضمت الموالي ووجوه العرب، وهؤلاء دائما كانوا قلة، أما غالبية الجند الذي رافق موسى بن نصير فقد كانت من شمال إفريقيا، بدليل قول صاحب أخبار مجموعة أن موسى بن نصير لم يخرج له جند من الشام، واكتفى له بجنود مصر وأفريقية وبمن تطوع، إضافة إلى ذلك فموسى بن نصير نفسه كان من الموالي، قال صاحب أخبار مجموعة متحدثاً عن موسى بن نصير: "وأصله من علوج أصابهم خلد بن الوليد رحمه الله في عين تمر، فادعوا أنهم رهن، وأنهم من بكر بن وايل، فصار نصير وصيفاً لعبد العزيز بن مروان، فأعتقه، وبعثه، وعقد له في سنة ثمان وسبعين على أفريقية وما خلفها، وأخرجه إلى ذلك الوجه في نفر قليل مطوعين لم يخرج له جند من الشام، واكتفى له بجنود مصر وأفريقية وبمن تطوع، فسار حتى ورد مصر، فأخرج معه من جندها بعثاً، ثم سار حتى أتى أفريقية، وأخرج من أهلها أهل القوة والجلد" .
وبذلك ففتح الأندلس تم عام 92 هـ من طرف طارق بن زياد الزناتي ويليان الغماري، ثم لحق بهما موسى بن نصير في جند مصر وأفريقية، ومما يؤكد أهمية الوجود الموري في الأندلس، هو أنهم اختاروا والياً عليهم بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير سنة 98 هـ، حسبما ما أورده ابن القوطية بقوله: "وكان قتله [عبد العزيز بن موسى بن نصير] في آخر سنة ثمان وتسعين، فمكثوا سنين لا يجمعهم والٍ، إلاَّ أن البربر قدموا على أنفسهم أيوب بن حبيب اللخمي، ابن أخت موسى بن نصير" ، وفي المقابل لم يكن لجند عرب الشام حضور مؤثر، وقد اتضح ذلك من خلال أحداث ثورة أمازيغ الأندلس على عربها، وذلك بالموازاة مع ثورة أهل المغرب على عامل الأمويين بطنجة، وطردهم للأمويين عام 123هـ/741م.
ففي ولاية عبيد الله بن الحبحاب على إفريقية، ثار المغاربة على عمر بن عبد الله المرادي عامل طنجة عام 122هـ، وفي هذا الشأن قال ابن عذاري المراكشي "كانت ثورة البربر بالمغرب، فخرج ميسرة المدغري، وقام على عمر بن عبد الله المرادي بطنجة، فقتله، وثارت البرابر كلها مع أميرهم (...) ثم خلف ميسرة على طنجة عبد الأعلى بن حديج، وزحف إلى إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب إلى السوس، فقتله، ثم كانت وقائع كثيرة بين أهل المغرب الأقصى وأهل إفريقية، يطول ذكرها" .
قال الرقيق: وكان ميسرة قد تسمى بالخلافة، وبويع عليها، فقتلوه، وولوا أمرهم بعده خالد بن حُميد الزناتي، فالتقى خالد بن أبي حبيب البربر، فكان بينهم قتال شديد. فبينا هم كذلك إذ غشيهم خالد بن حميد الزناتي من خلفهم بعسكر عظيم، فتكاثرت عليهم البربر، فانهزم العرب (...) فقتل ابن أبي حبيب ومن معه، حتى لم يبق من أصحابه رجل واحد، فقتل في تلك الوقعة حماة العرب وفرسانُها وكماتها وأبطالها، فسميت الغزوة غزوة الأشراف، فانتفضت البلاد (...) فاختلت الأمور على ابن الحبحاب، فاجتمع الناس عليه، وعزلوه. وبلغ ذلك الخليفة هشام بن عبد الملك فقال: والله لأغضبن لهم غضبة عربية، ولأبعثن لهم جيشا أوله عندهم وآخره عندي، ثم كتب إلى ابن الحبحاب بقدومه عليه، فخرج في جمادى الأولى من سنة ثلاث وعشرين ومئة .
و"لما بلغ هشام بن عبد الملك انتفاض البلاد الغربية والأندلسية، بعث كلثوم بن عياض (...) إلى إفريقية، وعقد له على اثني عشر ألفا من أهل الشام. وكتب إلى والي كل بلد أن يخرج معه بمن معه. فصارت عمال مصر وأطرابلس وبرقة معه حتى قدم إفريقية في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومئة (...) وكان على طلائعه بلج بن بشر القشيري ابن عمه (...) ولما قدم كلثوم على وادي سبو (...) وخالطت خيل البربر ورجَّالتُهم كلثوما وأصحابه، فقتل كلثوم، وحبيب بن أبي عبدة، وسليمان بن أبي المهاجر، ووجوه العرب. فكانت هزيمة أهل الشام إلى الأندلس، وهزيمة أهل مصر وإفريقية إلى إفريقية" .
وفي الوقت الذي ثار فيه أمازيغ بلاد العدوة على الأمويين، ثار أمازيغ الأندلس على عاملهم عبد الملك بن قطن، قال صاحب كتاب أخبار مجموعة في فتح الأندلس: "فقضي أن بربر الأندلس لما بلغهم ظهور بربر العدوة على عربها وأهل الطاعة، وثبوا في أقطار الأندلس، فأخرجوا عرب جليقية، وقتلوهم، وأخرجوا عرب استرقة والمداين التي خلف الدروب، فلم يرع ابن قطن إلا فلهم قد قدم عليه، فانضم عرب الأطراف كلها إلى وسط الأندلس إلا ما كان من عرب سرقسطة وثغرهم، فإنهم كانوا أكثر من البربر، فلم يهج عليهم البربر، فأخرج إليهم عبد الملك جيوشاً، فهزموها، وقتلوا العرب في الآفاق" ، وقد كان عرب الشام بالأندلس منبوذين حسبما ذهب إليه ابن القوطية وهو أندلسي، بقوله: "وبقي عرب الأندلس وبربرها يحاربون الأمويين والشاميين، ويتعصبون لعبد الملك بن قطن الفهري، ويقولون لأهل الشام: بلدنا يضيق بنا، فاخرجوا عنا، فكانت الحرب تدور بينهم في الكدى التي بقبلي قرطبة" .
وللقضاء على ثورة الأمازيغ بالأندلس، استدعى عبد الملك بن قطن جند الشام المحصورين في سبتة، وكانوا خمسمائة فارس ممن نجا من وقعة الأشراف، كان رئيسهم بلج، "وأقام بلج بعد قتل عمه كلثوم قريباً من سبتة، حتى أكلوا ذوابهم، وأكلوا الجلود، وأشرفوا على الهلاك، وولي الأندلس ابن قطن (...)، فلما رأت عرب الأندلس استغاثتهم وهلكتهم، أمدهم رجل من لخم، يقال له عبد الرحمن بن زياد الأحرم بقاربين، قد شحنهما بالشعير والإدام، فأتاهم ذلك، فنالوا منه، ولم يبلغ منهم مبلغاً، حتى أشرفوا على الهلاك، وحتى حملت الأرض، فأكلوا البقل والعشب" .
ولما اشتدت ثورة أمازيغ الأندلس، ورأى عبد الملك بن قطن ما لا طاقة له على إخمادها، استدعى بلج القشيري: "فلما رأى ذلك، وخاف أن يلقى ما لقي أهل طنجة، وبلغه إعداد البربر له، لم ير شيئاً أعز له من الاستبداد بأهل الشام، فبعث إليهم السفن، فأدخلهم أرسالاً (...)، فركب أهل الشام، ولبسوا السلاح، ثم فرقوا الجيوش في أرض الأندلس، فقتلوا البربر حتى أطفئوا جمرتهم (...)، ووثبوا عليه [عبد الملك بن قطن]، فأخرجوه من القصر، وأدخلوا بلجاً صاحبهم، وبايعوا له" .
وبعد وفاة بلج، "ولى أهل الأندلس ثعلبة بن سلمة العاملي، فجمع له أهل البلد العرب والبربر جمعاً بماردة، فخرج إليهم، فجاشوا عليه بما لا طاقة له به، وقاتلهم قتالاً شديداً، فلم يغن مغنى، فلما رأى ذلك اعتصم بمدينة ماردة، وبعث إلى خليفته بقرطبة أن يتحمل إليه ببقية أصحابه لمناجزة أهل البلد، فبيناه محصوراً قد نزل أهل البلد من البربر والعرب وجلهم البربر على ماردة" .
إن هذه الرواية تبرز بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمازيغ شكلوا غالبية سكان الأندلس، وتفيد رواية أخرى أنهم رأسوا على أنفسهم زعيماً يدعى ابن هدين لمحاربة عبد الملك بن قطن، قال صاحب أخبار مجموعة في فتح الأندلس: "وكانت قد رأست البربر بالأندلس على أنفسهم ابن هدين، وحشدوا من جليقية واستراقة وماردة وطلبيرة، فاقبلوا في شيء لا يحصيه عدد" .
إذاً فالوقائع التاريخية تؤكد أن انتماء الأندلس للمغرب أقوى وأشد وأوثق من انتمائها للمشرق؛ فالجيوش التي فتحت الأندلس كانت أمازيغية انطلقت من بلاد العدوة، وكان عددها 12000 في عدد قليل من العرب، وبعد ذلك انقطعت صلة العرب بالأندلس مباشرة بعد ثورة أمازيغ بلاد العدوة وبلاد الأندلس على الأمويين عام 123هـ، واستقلت الأندلس تحت حكم عبد الرحمان الداخل وأسرته، ومعلوم أن عبد الرحمان المذكور قطع صلته بالعرب نهائياً بعدما حارب القيسية واليمنية، وقضى عليهم، ثم اعتمد في حكمه على الأمازيغ والصقالبة.
لذلك، فالقول الشائع بأن الدولة الأموية سقطت في دمشق سنة 132هـ، وقامت في الأندلس سنة 138هـ، هو وهم خالص، لأن عبد الرحمان الداخل لم يستند في حكمه على بني أمية، بل أقصاهم جملة، وقرب إليه الأمازيغ، وقد تحالف في بداية أمر مع اليمانية، حتى تمكن من القضاء على القيسية، وفي هذا الصدد قال الحميدي متحدثاً عن عبد الرحمان الداخل: "ولم يزل مستتراً إلى أن دخل الأندلس سنة ثمان وثلاثين ومئة، في زمن أبي جعفر المنصور، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف بن عبد الرحمان بن أبي عبيدة بن عقبة الفهري الوالي على الأندلس، فهزمه، واستولى عبد الرحمان على قرطبة" .
وبعد قضاء عبد الرحمان بن معاوية على يوسف الفهري والي الأمويين على الأندلس، قلب ظهر المجن لليمنية، فحاربهم، وأوقع برئيسهم أبي الصباح، ثم أقصى العرب جملة يمنية وقيسية، واعتمد على الأمازيغ، قال المقري: "ولما أوقع عبد الرحمن باليمانية الذين خرجوا في طلب ثأر رئيسهم أبي الصباح اليحصبي، وأكثر القتل فيهم، استوحش من العرب قاطبة، وعلم أنهم على دَغَل وحقد، فانحرف عنهم إلى اتخاذ المماليك، فوضع يده في الابتياع، فابتاع موالي الناس بكل ناحية، واعتضد أيضاً بالبربر، ووجه عنهم إلى بر العدوة، فأحسن لمن وفد إليه إحساناً رغب من خلفه في المتابعة، قال ابن حيان: واستكثر منهم ومن العبيد، فاتخذ أربعين ألف رجل صار بهم غالباً على أهل الأندلس من العرب، فاستقامت مملكته وتوطدت" .
وبذلك، فالأندلس عرفت استقراراً سياسياً تلاه ازدهار عمراني بفضل وجود الأمازيغ، الذين شكلوا غالبية الجيش، وشغلوا مناصب إدارية، واشتهروا بالفقه ومختلف أصناف العلوم، ويكفي إلقاء نظرة على كتاب التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار للوقوف على هذه الحقيقة، ويكفي تصفح كتاب مفاخر البربر لاكتشاف الأسر الأمازيغية التي كان لها شأن عظيم في الإدارة والجيش وسائر أصناف العلوم، وقد اصطلح صاحب كتاب مفاخر البربر على هذه الفئة بـ"بيوتات البربر"، وهنا أذكر بعض الأمثلة التي أوردها المؤرخ المذكور:
قال صاحب كاب مفاخر البربر متحدثاً عن بيوتات زناتة: "كان منهم بالأندلس بنو الخروبي، وبنو الليث، وبنو يفرن، وبنو برزال، وبنو دمر، وبنو خزر منهم محمد بن الخير بن خزر المغراوي أمير بن أمير إلى خزر، وكان محمد رئيس زناتة كلهم بالأندلس في الفتنة البربرية في حدود الأربعمائة من الهجرة" ، وقال متحدثاً عن بيوتات مغيلة: "منهم أحمد بن محمد بن إلياس المغيلي الوزير القائد، ولي الولايات الجليلة لعبد الرحمن الناصر أمير المؤمنين، وكان جده إلياس أحد أعلام البربر الداخلين إلى الأندلس مع طارق في الفتح الأول" ، وقال متحدثاً عن بيوتات صنهاجة: "كان في الأندلس بيوتات من البربر من صنهاجة، كان منهم في الأندلس بنو لقيظ فقهاء وكتاب وأدباء، وبنو دراج القسطلي، وبنو عبد الوهاب، كانت لهم ثروة وعدد، وكان منهم قواد وكتاب وفقهاء وأدباء" .
وبعد انهيار الدولة العامرية بالأندلس، ونشأة إمارات ملوك الطوائف، التي كانت ترزح تحت ضغط الممالك المسيحية، عبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس وأوقف المد المسيحي، وضم الأندلس إلى بلاد العدوة، فأصبحت الأندلس مقاطعة مغربية طوال عهد المرابطين والموحدين ومدة من حكم المرينيين، وخلال هذه المدة كانت الأندلس تستقبل أفواجاً من المغاربة خاصة خلال الحملات العسكرية التي استهدفت ردع المسيحيين، والحفاظ على الوجود الموري بالأندلس.
وبناء على ما تقدم، فإننا نجزم أن الغالبية العظمى لسكان الأندلس كانت مورية، وهذا يدفعنا لمناقشة موضوع آخر، يتعلق الأمر بأصول الأندلسيين الذين عبروا للاستقرار في بلاد العدوة بعد سقوط غرناطة في قبضة المسيحيين، وأقول بيقين تام أن الأندلسيين الذين استقروا ببلاد العدوة أمازيغ عادوا إلى وطنهم، وقد تم ذلك عبر مرحلتين:
المرحلة الأولى: كانت بسبب ثورة أهل الربض سنة 202هـ على الحكم الأول بن هشام المعروف بالربضي (180-206): عاد على إثرها زهاء ثمانية آلاف بيت مغربي من الأندلس أجلاهم عنها الحكم بن هشام إلى بلاد العدوة، قال ابن أبي زرع: "وأما أهل الأندلس بقرطبة حين أوقع بهم الإمام الحكم بن هشام، وأجلاهم عن الأندلس إلى العدوة، فصعدوا إلى مدينة فاس، وكانوا ثمانية آلاف بيت، فنزلوا عدوة الأندلس، وشرعوا بها في البناء يمينا وشمالاً إلى ناحية الكدان ومصمودة وفوارة وحارة البادية والكنيف إلى الرميلة، فسميت عدوة الأندلسيين" ، وقد أورد الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء وقائع ثورة أهل الربض ورجوع بعض المغاربة إلى وطنهم بقوله: "وذلك في رمضان سنة اثنتين ومئتين، وتداعى أهل قرطبة من أرباضهم، وتألبوا بالسلاح، وقصدوا القصر، فركب الجيش والإمام الحكم، فهزموا العامة، وجاءهم عسكر من خلفهم، فواضعوا فيهم السيف، وكان وقعة هائلة شنيعة، مضى فيها عدد كثير زهاء عن أربعين ألفاً من أهل الربض، وعاينوا البلاء من قدامهم ومن خلفهم، فتداعوا بالطاعة، وأذعنوا، ولاذوا بالعفو، فعفا عنهم على أن يخرجوا من قرطبة، ففعلوا، وهدمت ديارهم ومساجدهم، ونزل ألوف بطليطلة، وخلق في الثغور، وجاز آخرون البحر، ونزلوا بلاد البربر، وثبت جمع بفاس، وابتنوا على ساحلها مدينة غلب على اسمها مدينة الأندلس" .
وبذلك؛ فهؤلاء كانوا أمازيغاً عادوا إلى وطنهم، واستقروا بعدوة الأندلسيين، أما العرب، فعادوا إلى المشرق، واستقروا بالإسكندرية، قال الذهبي: "وسار جمع منهم زهاء خمسة عشر ألفاً، وفيهم عمر بن شعيب الغليظ، فاحتلوا بالإسكندرية" .
المرحلة الثانية: عاد آلاف الأندلسيين إلى أرض أجدادهم على إثر سقوط الأندلس، وقد أخبرنا صاحب كتاب نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر بمواطن استقرارهم بقوله: "ثم بادر المسلمون بالجواز إلى العدوة من المراسي، فخرج من بقي من أهل مالقة في ثلاثة أيام إلى بادس، وخرج أهل المرية في نصف اليوم إلى تلمسان، وخرج أهل الجزيرة الخضراء في نصف اليوم إلى طنجة، وخرج أهل رندة وبسطة وحصن موجر وقرية قردوش وحصن مرتيل إلى تطوان وأحوازها، وأهل ترقة خرجوا إلى المهدية، وخرج أهل منسين إلى بلاد الريف، وخرج أهل دانية وأهل جزيرة صقلية في أربعة أيام إلى تونس والجزائر والقيروان، وخرج أهل لوشة وقرية الفخار والبعض من غرناطة وأهل مرشانة وأهل البشرة إلى قبيلة غمارة بزاوية سيدي أحمد الغزال، وخرج أهل بربرة وبرجة وبولة واندراش إلى ما بين طنجة وتطوان، ثم انتقل البعض منهم إلى قبيلة بني سعيد من قبائل غمارة، وخرج أهل مرينية في يوم إلى مدينة ازيلة وما قرب منها، ثم خرج أهل مدينة بليش وشيطة وقرية شريش إلى مدينة سلا، وخرج ما بقي من أهل غرناطة في خمسة عشر يوماً إلى بجاية ووهران وبرشد زوالة ومازونة ونفطة وقابس وسفاقس وسوسة، وخرج أهل طريفة في يوم إلى اسفي وزمور وانفة، وخرج أهل القلعة إلى اجدير" .
وبذلك، فالأندلسيين مغاربة عادوا إلى وطنهم بعد سقوط الأندلس، واستقروا على الأرجح في المناطق التي انطلق منها أسلافهم إلى الأندلس، في حين عادت القلة العربية إلى المشرق، واستقرت بالإسكندرية.
في النهاية، نخلص إلى أن الأندلس فتحت بـ 12000 موري عام 92 هـ، تلاها 18000 أمازيغي من باقي أمازيغ شمال إفريقيا، وأن الغالبية العظمى لساكنة الأندلس تشكلت من الأمازيغ، وذلك لعدة اعتبارات، منها: قرب الأندلس من بلاد العدوة، وإقصاء الأندلسيين للعرب من الحكم، وتقريبهم للأمازيغ واتخاذهم جنداً، بعدما اكتشفوا ما في العرب من دغل وحقد على حد تعبير المقري، وقد تعاظم الوجود الموري بالأندلس في عهد المرابطين والموحدين والعقود الأولى من حكم المرينيين، وبذلك، فالإنتاج الحضاري الذي تم في الأندلس هو من إنتاج العبقرية المورية والقوطية.
غالبية أهل الأندلس امازيغ لا يعني انه لا علاقة لها بالشرق ...فعبد الرحمان الداخل حتى لو صحت روايتك انه اعتمد هلى الامازيغ لكن للقائد أهمية قصوى وحاسة لانه الحاكم وقرارات السلطانية هي الفيصل ....ثم لما تتحدث عرقيا ...أليس الإسلام هو الاديولوجية السائدة انذاك ...لماذا تقصي الإسلام في خطابك وتتحدث فقط عن الاغلبية السكانية والجيش...ايا كانت الاغلبية وانتماء القائد القبلي ...لكن ايديولوجيته هي الإسلام وقد حارب طارق باسم الإسلام..وفتحت الأندلس باسم الإسلام وحكمت بالاسلام....والمتابعين والموحدين حكموا باسم الإسلام وليس باسم المغرب أو الامازيغ ..والدليل هي خطاباتهم ودواوينهم واحكامهم وقضائهم ...لا اثر لتفناغ ولا لموريتك ....تريد أن تلبس كل شيء ثوبا من صنع مخيلتك وتجلس...والذين عادوا من الأندلس عادوا بثقافة عربية في اسعارهم وينهم الأندلسي...فيه شعر عربي فصيح ....حتى الامازيا الذين سكنو. الأندلس ثقافتهم عربية فصيحة ...ومؤلفاتهم ...المهم تحليلات كلها هراء وتدلييس ونصب وووو..
ردحذف