كنزة سيدة قبيلة أوربة

كنزة سيدة قبيلة أورية
عبد الخالق كلاب

تعاملت الروايات التاريخية مع شخصية كنزة الأوربية باعتبارها حاضنة، أودع فيها إدريس زرعه، وأن مهمتها هي الحفاظ على استمرار نسل إدريس ذلك المشرقي المبجل، فلم يرى الإخباريون في كنزة سوى جارية، قال أبو عبيد الله البكري: "ومات إدريس ولا ولد له، وترك جارية من جواريه حبلى، فقام راشد بأمر البربر حتى ولدت غلاماً، فسماه باسم أبيه، وقام بأمره، وأحسن تأديبه" ، وقد حرص الإخباريون الذين أتوا بعد البكري على تأكيد وضعية كنزة باعتبارها جارية، فهذا صاحب الاستبصار، أعاد رواية البكري حرفياً، وأضاف إلى نصها كلمة جارية: قال البكري: "حتى ولدت غلاماً"، في قال صاحب الاستبصار: "حتى ولدت الجارية غلاماً" ، فهل كانت كنزة الأوربية جارية حقاً؟

إن القول بأن كنزة كانت جارية، هو رواية منافية لواقع الأمازيغ، رواية بمركزية أجنبية ترى كل امرأة أمازيغية إما جارية أو مسبية، والواقع هو أن المرأة عند الأمازيغ هي تامغارت أي الحكيمة والقائدة والزعيمة، هذا كان هو وضعها في المجتمع الأمازيغي الذي يعد مجتمعاً أميسياً، وبذلك فالذين اعتبروا كنزة جارية انطلقوا من واقعهم الأبيسي الذي يعتبر النساء متاعاً وجواري، والحقيقة خلاف ما زعموا، فكنزة لم تكن جارية، لأن إدريس لم يكن رجلاً متغلباً، بل كان فاراً من أعين بني العباس، قاده راشد إلى قبيلته أوربة، التي "كانت آنذاك من أعظم قبائل بلاد المغرب، وكانت لها مدن كثيرة، منها مدينة سكوما (...)، وكانت مدينة عظيمة لم يكن بالغرب أعظم منها" .

إن السردية التاريخية المتداولة، تجعل من إدريس شخصية مركزية، وما دونه شخصيات تدور في فلكه، وهذا غير صحيح، إذ إن مشروع تأسيس إمارة أوربة هو من تخطيط راشد، وأن البيعة التي تناقلتها المصادر كانت بيعة مشروطة بموالاة إدريس لزعيم قبيلة أوربة، فوضع إدريس لم يكن يسمح له باتخاذ الجواري، ولا شك أن زواجه بكنزة كان فاتحة سعده، لأنه سيكتشف تامغارت، التي تختلف عما أَلِفه في المشرق، فالمرأة الأمازيغية كانت دائماً تشارك الرجل بل تتقدمه في مجموعة من المهمات، لذلك لا نستبعد أن تقوم كنزة بتوجيه إدريس إلى ما ينبغي فعله وما لا يجوز التفكير فيه أصلاً، وقد بدا دورها القيادي بعد وفاة ابنها إدريس الثاني، وتولي حفيدها محمد بن إدريس بن إدريس، إذ هي التي بادرت إلى تقسيم الإمارة على حفدتها، قال أبو عبيد الله البكري: "وتولى الأمر بعده ابنه محمد، وفرق البلاد على إخوته على رأي جدته كنزة" .



إرسال تعليق

أحدث أقدم