زينب النفزاوية عماد الدولة المرابطية

 زينب النفزاوية عماد الدولة المرابطية
عبد الخالق كلاب

بخلاف كنزة الأوربية التي اعتبرها الإخباريون جارية، لسبب بسيط هو أن زوجها كان عربياً، فزينب النفزاوية وصفتها المصادر بالمرأة الحكيمة التي كانت وراء إقامة حكم يوسف بن تاشفين، كانت زينب النفزاوية زوجة لقوط أمير أغمات، وبعد سيطرة المرابطين على أغمات، تزوجها الأمير أبو بكر بن عمر، قال ابن خلدون: "وارتحل [أبو بكر بن عمر اللمتوني] إلى مدينة أغمات، وبها يومئذ أميرها لقوط بن يوسف بن علي المغراوي، فنزل عليها، وضيق عليه الحصار، وقاتله أشد القتال، فلما رأى لقوط ما لا طاقة له به أسلمها له، وفر عنها ليلاً هو وجميع حشمه إلى ناحية تادلة، فنزل في حمى بني يفرن أربابها، ودخل المرابطون أغمات، وذلك سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، وتزوج [أبو بكر بن عمر] امرأته زينب بنت اسحق النفزاوية" .

تذكر المصادر أن أبا بكر بن عمر طلق زينب النفزاوية، لأمر اقتضى ذلك، فـ"أثناء مقامه بلغه ما كان من ظهور جدالة على لمتونة، فشرع في العودة إلى الصحراء، واستخلف على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين" ، قال ابن عذاري: "وكان أبو بكر بن عمر لما عزم على حركته، قال لزوجته زينب: إني مسافر منك برسم الفتن والحروب، ولا يمكنني أن أمشي عنك وأنت في عصمتي، فإن مت كنت مسؤولاً عنك، والرأي أن أطلقك، فقالت له: الرأي السديد ما تراه، فطلقها، فذكروا أنه قال لابن عمه يوسف بن تاشفين: تزوجها فإنها امرأة مسعودة، وقيل إنها هي التي طلبت منه طلاقها، فأسعفها بذلك" .

وقد كانت زينب النفزاوية بشهادة ابن عذاري هي التي مهدت الملك ليوسف بن تاشفين، بقوله: "وتزوج يوسف بن تاشفين زينب النفزاوية في شهر شعبان المكرم سنة ثلاث وستين [وأربعمائة] بعد تمام عدتها، ودخل بها فسرت به، وسر بها، وأخبرته أنه يملك المغرب كله، فبسطت آماله، وأصلحت أحواله، وأعطته الأموال الغزيرة، فأركب الرجال الكثيرة، وجمع له القبائل أموالاً عظيمة، فجند الأجناد، وأخذ في جمع الجيوش من البربر والاحتشاد (...) بنفسه، وبتدبير زوجته زينب في كل يوم مع أمسه حتى (...) سلك أهل المغرب في قانون الضغط، فتأتى من ملكه ما لم يتأت" .

ولا شك أن زينب كانت مشاركة في تدبير حكم إمارة مغراوة بأغمات قبل مجيء المرابطين، عالمة بدواليب الحكم، وما قامت به يمكن إدراجه فيما يصطلح عليه اليوم بمراسيم تسليم السلط، إذ مكنت زينب زوجها يوسف بن تاشفين من كل المعطيات والموارد اللازمة لبناء سلطة جديدة، وأهلته لذلك بتدريبه على كيفية استقبال الوفود، والظهور بمظهر السلطان، وقد بدا ذلك من خلال طريقة تدبيرها لفزع يوسف بن تاشفين من عودة أبي بكر بن عمر اللمتوني لاستلام ملكه، إذ كان يوسف بن تاشفين خليفته، "فعرفت زينب ذلك في وجهه، فقالت له: أراك مهموماً مكروباً من وصول ابن عمك إلى ملكه الذي ولاك عليه، والله لا ذاق أبو بكر طعمها أبداً، فطب نفساً، وقر عيناً (...) قالت له: إذا قدم عليك، وبعث مقدمات رجاله إليك فلا تخرج إليه، ولكن بادره بهدية جليلة (...) فلا يقاتلك على الدنيا، فإن الرجل خيِّر لا يستحل سفك دماء" .

وقد أفلحت خطة زينب النفزاوية وتدبيرها في إقصاء أبي بكر عن الحكم، والتمكين ليوسف بن تاشفين، "كان وصول أبي بكر بن عمر من الصحراء إلى أغمات في الخامس لشهر ربيع الأول المبارك في السنة المؤرخة [465]، قادماً إلى مراكش، فنزل بخارج أغمات في مضاربه، وتسابق أكثر أصحابه إلى مراكش برسم رؤيتها، ورؤية بنائها، والسلام على أميرها يوسف، وكانوا قد سمعوا ن ضخامة ملكه وجميل كرامته وجزيل إحسانه وإنعامه على إخوته وقرابته، فاجتمع إليه من القادمين عليه خلق كثير، وانقطع رجاء الأمير أبي بكر من الملك، فبعث إلى يوسف يعلمه بوصوله إليه، وعين له يوماً معلوماً يكون فيه اجتماعه به، فخرج يوسف من مراكش في جنده وعبيده، وتلقاه في نصف الطريق، فسلم عليه راكباً على دابته، ولم تكن قبل عادته، ثم نزل إلى الأرض، وقعدا على برنس بُسط لهما في ذلك المكان" .

وقد كان يوسف بن تاشفين لا يخجل من ذكر فضل زينب عليه، قال بن عذاري: "وكانت امرأة غالبةً عليه (...) ولا كان يقول لبني عمه إذا خلا بهم، وورد ذكرها: إنما فتح البلاد برأيها" ، وقد رزق منها بولدين، قال بن عذاري: "وفي هذه السنة [464] ولد ليوسف بن تاشفين مولود ذكر سماه المعز بالله من زوجه زينب النفزاوية" ، وفي سنة 469هـ، "ولد للأمير يوسف بن تاشفين ولده الفضل من زوجه زينب النفزاوية".



إرسال تعليق

أحدث أقدم